سورة البقرة - تفسير تفسير التستري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269)}
وسئل عن قوله: {الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ} [268] قال: هو أن يأخذوا الشيء من غير حله، ويضعوه في غير محله.
وسئل عن قوله: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [269] قال: روى أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «القرآن حكمة اللّه عزّ وجلّ بين عباده فمن تعلم القرآن وعمل به فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه إلّا أنه لا يوحى إليه يحاسب حساب الأنبياء عليهم السلام إلّا في تبليغ الرسالة». وأخبرني محمد بن سوار عن عقيل عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «القرآن حكمة فمن تعلم القرآن في شبيبته خلط بلحمه ودمه. ألا وإن النار لا تمس قلبا وعى القرآن، ولا جسدا اجتنب محارمه وأحل حلاله وآمن بمحكمه ووقف عند متشابهه ولم يبتدع فيه».
وقال مجاهد وطاووس : الحكمة القرآن، كما قال في النحل: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125] يعني القرآن. وقال الحسن : الحكمة: الفهم في القرآن، والحكمة النبوة، كما قال في ص: {وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ} [ص: 20] يعني النبوة، وقال لداود عليه السلام: {وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [251] يعني النبوة من الكتاب.
وقال قتادة : الحكمة: هي الفقه في دين اللّه عزّ وجلّ، واتباع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال السّدي : الحكمة النبوة. وقال: زيد بن أسلم : الحكمة العقل. وقال الربيع ابن أنس : الحكمة خشية اللّه تعالى. وقال ابن عمر: الحكمة ثلاث: آية محكمة، وسنة ماضية، ولسان ناطق بالقرآن. وقال أبو بكر: قال سهل: الحكمة إجماع العلوم، وأصلها السنة، قال اللّه تعالى: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] فالآيات الفرض، والحكمة السنة. وأراد سهل من ذلك أن العرب تقول: حكمت الرجل إذا منعته من الضرر والخروج عن الحق مثل قوله: {حِكْمَةٌ بالِغَةٌ} [القمر: 5] قال: أي تامة، كما قال: {آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً} [الأنبياء: 74] فهي حينئذ بلغت إلى أهلها دون غيرهم، فهم في كل حال فيها ينطقون، وإلى أحكامها يفزعون، وعن معانيها يكشفون، كما قيل: زاحم الحكماء، فإن اللّه يحيي القلوب الميتة بالحكم، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر. ثم قال: رأس مال الحكمة ثلاث: الأول رياض النفس في المكروهات، والثاني فراغ القلب عن حب الشهوات، والثالث القيام على القلب بحفظ الخطرات، ومن راقب اللّه عند خطرات قلبه عصمه عند حركات جوارحه. وقال عمر بن واصل : {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ} [269] أي يؤتي الإصابة في كتابه من يشاء، كما قال اللّه تعالى لأزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عند تعداد النعم عليهن: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] فالآيات القرآن، والحكمة ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم من المستنبط منها، كما قال علي رضي اللّه عنه: الآيات رجل آتاه اللّه فهما في كتابه.


{لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)}
وسئل عن قوله: {لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [273] وعن الفرق بينهم وبين المساكين. فقال: اللّه تعالى وصف الفقير بصفة العدم من حال سؤال الافتقار واللجأ إليه، ووصفهم بالرضا والقنوع، فقال تعالى: {لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً} [273] وهم أصحاب صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهم نحو من أربعين رجلا، ليست لهم في المدينة مساكن ولا عشائر، فهذه أحوال أقوام مدحهم اللّه تعالى لشدة الافتقار إليه، لا استطاعة لهم ولا قوة إلا به ومنه، هو حولهم وقوتهم، نزع عنهم قوة سكون قلوبهم إلى غيره، وهو وسوسة النفس إلى شيء دون اللّه تعالى، فهم بهذا الوصف أعلى حالا، فمن ردّه اللّه تعالى إلى مساكنة نفسه فقال: {لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فردهم إلى حالتهم التي قد سكنوا إليها.
وأما الفقير الذي سلمه الفقر إلى اللّه تعالى إن حركته في موت نفسه فهو أحسن حالا من الذي سكن إلى حال له لمتابعة نفسه. قال عمر بن واصل: وإذا كان الفقير إلى اللّه عزّ وجلّ الراضي لا يسكن إلّا بالرضا والتسليم، فقد كمل له الاسمان جميعا الفقر والمسكنة. قال أبو بكر سمعت سهلا يقول الفقير الفقير العاجز، وهو الفقر بلبلبة القلب إلى اللّه عزّ وجلّ، والسكون إليه بالطاعة والمسكنة ذل، وهي المعصية للّه. قال: وحكى الحسن عن أنس رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال لما أنزلت هذه الآية: «صانعوا الفقراء ليوم ملكهم. فقيل: يا رسول اللّه ومتى ملكهم؟ قال: يوم القيامة».


{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281)}
وسئل عن قوله: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [281] فقال: هي آخر آية ختم اللّه تعالى بها القرآن، وتوفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد نزولها بثمانين يوما.
ثم قال: إذا دخلت مظالم ليلة أهل الدنيا لأهل الدنيا ذهب النوم والقرار عن أهل السجن، ما يدرون ما يصنع بهم بدعتي عليهم، فيقتلون أو يعذبون، أم يعفى عنهم فيطلقون، فهذه مظالم أهل الدنيا لأهل الدنيا، فكيف مظالم الحق لأهل العقبى؟.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12